الليبرالي مسلم ومواطن- كفى تكفيراً وتحريضاً

المؤلف: هيلة المشوح08.16.2025
الليبرالي مسلم ومواطن- كفى تكفيراً وتحريضاً

لماذا يستشيط «الليبرالي» غضباً عندما يُتهم بالكفر؟

بكل بساطة، لأنه مسلم يعتز بدينه ويفتخر بإسلامه، سواء رضي المتشدد أم لم يرض، اعترف بذلك أم أنكره. فضلاً عن أن التكفير في بلد مسلم بمثابة إعلان ضمني بالقتل. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، من هو الليبرالي تحديداً؟

وهل سبق لأحد أن صرح قائلاً: «أنا ليبرالي»؟

شخصياً، لم أسمع هذه العبارة إلا من أفواه رموز الصحوة في أوج قوتهم وهيمنتهم، وفي ذروة سعيهم لتوجيه عقول المجتمع وحشدها، حينما استخدموا هذه التهمة لتصفية حساباتهم مع المخالفين وتشويه سمعتهم وشيطنتهم. لن أنسى ذلك المتصيد الإلكتروني الذي كان يجوب المنتديات في أواخر التسعينيات الميلادية وبداية الألفية الجديدة، ينشر البذاءات والتكفير والتشويه. حينها، تعرض أحد المثقفين البارزين لوابل من التكفير والشتائم، ووُصف بالليبرالي. وعندما أُسدل الستار على مسرحيته الإلكترونية وكُشف عن هويته، تفاجأ صاحبنا المثقف بأنه يصلي بجانبه كل يوم في نفس الحي، بل ويسلم عليه أحياناً! يا لها من مفارقة عجيبة!

حسناً.. يجب أن يعلم أولئك الذين ينجرفون وراء التصنيفات والشعارات التي تطلقها فلول الصحوة، أن هذه التصنيفات ليست سوى محاولة لتشويه سمعة المخالف وإقصائه. فالليبرالي، في نظرهم، لا يعدو كونه «مصلياً مسلماً»!

الليبرالي في مجتمعنا هو ذلك الشخص الذي يتوق إلى بعض مظاهر الترفيه، والذي يتبنى النقد البناء الهادف إلى إصلاح المجتمع، مطالباً بتوفير المزيد من منافذ الحياة الثقافية والاجتماعية، كالمسارح ودور السينما... إلخ. فلماذا نضحك على أنفسنا أمام العالم بهذه التصنيفات الزائفة وهذا التشويه السخيف؟

ولماذا ما زلنا نصدق دعاة التحريض الذين يسعون إلى تشويه صورة المخالفين وتكفيرهم واتهامهم بالزندقة، ويشنون حملات منظمة ضد شريحة من المجتمع تتوق إلى السلام والهدوء وحب الوطن وازدهاره؟ أتذكر هنا ذلك المنشد الذي وجد ضالته الفنية وشهرته الواسعة في أغنيته التي تنافس فيها معزوفة بحيرة البجع لتشايكوفيسكي، وهي «يا ليبرالي يا حلالي»!

ضع الليبرالي السعودي -كما يحلو للبعض أن يسميه- في قلب إحدى الدول العربية كمصر مثلاً، ثم صنفه كما شئت. فماذا ستجد؟

أليس هو رجل الشارع الذي يقرأ الصحف والمجلات، والمثقف الذي ينتقد الأوضاع ويسعى إلى تحسينها، والذي يطالب بتحقيق الرفاهية لمجتمعه وتخفيض أسعار السلع الأساسية، ويتذمر من غلاء الأسعار؟!

أليس هو رجل الشارع الذي يترك لابنته حرية اختيار ارتداء الحجاب من عدمه، ويدرس ابنه الفلسفة، وتعمل زوجته في بنك أو شركة دون تدخل من المجتمع أو تصنيف أو تفسيق أو تكفير؟

لنعلم جميعاً أن التكفير هو منزلق خطير يقود إلى نتائج وخيمة، ولا يخدم الدين بأي حال من الأحوال، بل يزيد من اتساع الفجوة بين شرائح المجتمع، ويعمل على زرع الفتنة والتحريض على القتل، حين يتلقفه شخص جاهل أو حاقد. فلننتبه لهذا الأمر ونقف بحزم في وجه كل داعية فتنة وتكفير.

لقد شعرت بالسعادة، كسائر الناس، بالحكم الذي صدر بحق خطيب الجمعة الذي كفر الفنان ناصر القصبي -وإن كان هذا الحكم لا يرتقي إلى مستوى طموحاتنا في تأديبه- وأتمنى أن تكون هذه القضية بداية خير، تجعل كل شخص حاقد يبتلع لسانه ويفكر ملياً قبل أن يصدر حكماً على من يخالف آراءه المتشددة، وأن يتوقف عن إشعال نار الفتنة والجهل في مجتمع يتميز بعاطفته الدينية الجياشة!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة